دليل اختيار الاعمال الفنية في الفنادق والفراغات التجارية 

ترسيخ علامتك التجارية وزيادة اصولك من خلال الفن 

تمهيد:

 هذه المقالة موجهة لمطوري الفنادق على نحو خاص وإلى المطورين العقاريين بشكل عام لإرشادهم خلال عملية اختيار الأعمال الفنية في منشآتهم ، بشكل يساهم في دعم الصورة الذهنية لهويتهم التجارية ورفع مستوى الوعي بأهمية اختيار الأعمال الفنية خلال عملية التصميم، وليس بعدها وإعطاءها القدر الكافي من الاهتمام لما ينطوي عليه ذلك من عوائد كبيرة على المشاريع الفندقية والتجارية باختلاف أنواعها  .

حيث لم يعد خافياً على المطورين بجميع أطيافهم أن فكرة المشروع ومحتواه الفني والثقافي أصبحا عاملين هامين في بيع أي منتج عقاري وأداة لتمييز منتج عن آخر حيث تغدو الأعمال الفنية أحيانا تكون مصدر جذب وعامل تسويقي هام للمبنى. خاصة عندما تبنى على سردية قصصية موجهة للمجتمعات. 

مقدمة: 

لطالما وُجدت الأعمال الفنية في الفنادق والفراغات التجارية، ولكن مع تعاظم وظيفة الفن عالمياً خلال العشرين سنة الماضية وتطور التقنيات ووسائط العرض الرقمية، فقد تجاوزت الأعمال الفنية كونها مجرد عناصر تزينية تزين بها الجدران، وتتناسق مع ألوان الفراغ المحيط ، وخرجت عن كونها لوحة ضمن اطار  لتصبح جزءاً هاماً من تجربة العميل المستهدف وانشاء روابط معه بالإضافة الى ترسيخ انطباعات إيجابية لهذا الجمهور تدفعه إلى اكتشاف زاوية بعد أخرى ضمن مساحة المبنى أو الفندق ، عدا عن كونها عاملاً استثمارياً هاماً يضاف إلى أصول المبنى ، وخاصة إذا ما تم اُختيارها وفق نهج جمالي واستثماري وبواسطة متخصص،  حيث يبرز هنا دور مستشار الفن أو Art Consultant  .الذي يجب تعيينه مع تعيين المصمم الداخلي لأهمية مدخلات عمله  في مخرجات التصميم الداخلي للمشروع .

( Art Consultant)  مستشار الفن للمشروع:

يعمل مستشارالفن مع المالك وبتنسيق كامل مع المصمم الداخلي، ويتم اختياره أو ترشيحه من المشغل لمعرفته الجيدة بالفن وأنماطه ومدارسه واتجاهاته بالإضافة إلى معرفة جيدة بالفنانين ودور العرض الفنية وإعطاء نصائح ومخرجات تتعلق بالأعمال الفنية الأكثر ملاءمة للفراغات من مصادرها وفق الميزانية المرصودة ، وحتى أدق التفاصيل بما فيها تفاصيل الإطارات وأماكن تعليق اللوحات وزوايا الرؤيا والشروحات اللازمة وحتى المساعدة على عملية الشراء ومراقبة جودة الأعمال وصولاً الى عملية إغلاق المشروع بما فيه توثيق الأعمال وتسليم شهادات الأصالة للمالك حيث تعتبر الأعمال الأصلية أصول مالية تزداد قيمتها مع الوقت، ويجب حفظها وتسليمها وفق الأصول .

( The art brief  )كتابة الملخص الفني:

تعد كتابة الملخص الفني بمثابة خطة عمل لا بد منها للبدء بعملية اختيار الأعمال الفنية. حيث يشارك بكتابته كلاً من المالك مع المصمم الداخلي أو مستشار الفن أو جميعهم معاً. وفق نهج سردي مستقى من عناصر الإلهام التي بنيت عليها قصة المشروع، وعادة ما يحدد في هذا الملخص نبذة عن المطور أو مالك المشروع وطبيعة أعماله وعن الهوية التجارية ذات الصلة، بالإضافة عن تحديد فئة العملاء المستهدفة ونمط الأعمال الفنية المقترح والألوان المقترحة وصور المشروع.

ويحدد هذا الملخص نوعية الأعمال والفنانين والمعارض الذين يمكن العمل لاقتناء الأعمال أو تنفيذا وهو عمل هام لوضع تصور مبدئي لميزانية المشروع.

تحديد ميزانية الأعمال الفنية:

تُحَدَّد الميزانية بعد تقييم للفراغات الهامة بالمشروع لاتخاذ قرارات من شانها ان تساعد في وضع أولويات لكمية ونوعية الاعمال الفنية بناء على طبيعة استخدام الفراغات وأهميتها وزوايا المشاهدة ونقاط التركيز في المشروع وحتى عوامل الحماية، حيث تتباين الأعمال بين أعمال تشكيلية أصلية، أو مطبوعة أو منحوتات أو أعمال فنية تركيبية.

وبالطبع عند هذا المستوى من التحديد سيكون لدينا ميزانية أكثر تحديداً وتطوراً، حيث تعتمد دقة الميزانية على هذه المدخلات. فمثلا تكون الأعمال الفنية المطبوعة أكثر قابلية لتحديد ميزانيتها حيث يمكن توقع أسعار الطباعة والإطارات والتركيب وشراء حقوق الأعمال المطبوعة، ولكن يصبح التقدير أكثر صعوبة في حالة تنفيذ الأعمال وفق الطلب أو ما يسمى (Art Commission) حيث يصبح العمل أقل قابلية لتوقع النتيجة النهائية من حيث الوقت والتكلفة ومطابقة التوقعات أيضا.

ومما لا شك فيه أن بعض العوامل ممكن أن تؤثر إلى حد بعيد في التكلفة النهائية فمثلاً عند شراء الأعمال الأصلية من فنان واحد يمكن أن يؤثر ذلك على تخفيض التكلفة إلى حد بعيد أو مثلاً في حال الطباعة ممكن أن يؤثر نوعية وسيط الطباعة أو الورق المستخدم في التكلفة النهائية للأعمال

شراء أو اقتناء الأعمال الفنية:

من المفهوم لدينا أن شراء الأعمال الفنية للمشاريع بواسطة مؤسسات تختلف عن شرائها من مقتني الفن الأفراد حيث يوجد في حالة المشاريع أكثر من صاحب صلاحية (Stakeholder)، وأن مستشار الفن قد يتوقف دوره -أحياناً -عند عملية الاختيار فقط دون الشراء، ولذلك تلجأ بعض الشركات إلى المناقصات، الأمر الذي قد يكون له تعقيدات كبيرة إلى حد ما.

 وحيث إن الفن بطبيعته شخصي و يعتمد على الذوق أو التوجهات الشخصية و أن ما يمكن لفنان أن ينجزه لا يمكن أن ينجزه آخر، وأن بعض الأعمال الفنية تُخْتَار لاسم الفنان ليس لأسلوبه فقط لذلك يجب هنا أن نميز بين نوعين من الأعمال بطريقة الشراء ، الأولى يمكن إخضاعها لعملية المناقصة (على مبدأ تفاحة مقابل تفاحة) وتكون عادةً بكميات كبيرة مثل أعمال الطباعة والتأطير والتركيب وفق مواصفات واضحة وأبعاد موحدة للموردين جميعهم يضعها مستشار الفن.

والنوع الثاني هو الأكثر تعقيدا، ونرى أنه من غير المنصف إخضاعه للمناقصة، وسيكون ضياع لوقت الشركة ووقت الموردين؛ ولذلك أذكر مثالاً لإحدى الطرق التي يتم الاقتناء والشراء من خلالها فمن الممكن مثلاً تشكيل لجنة تضم مهتمين بالفن من داخل الشركة وإدارات ذات صلاحية وقدرة على اتخاذ القرار بمساعدة مستشار الفن يتم من خلالها اختيار الأعمال وفق أسس مهنية شفافة...و بالطبع ما ينطبق على شركة ليس بالضرورة أن ينطبق على أخرى.

العوامل الجمالية في اختيار الأعمال الفنية

كما أسلفنا فإن طبيعة استخدام الفراغات تفرض اختيارات فنية معينة، وقد يكون من المفيد ذكر بعض الأمثلة : فمثلاً، في فندق سيكون من الحكمة الاستثمار في بعض الأعمال الأصلية وعرضها في بهو الفندق أو الصالة التنفيذية لكبار العملاء أو الجناح الرئاسي ، فيما تُعْرَض أعمال فوتوغرافية أو أعمال منسوخة من أعمال أصلية يمتك الفندق حقوقها في الممرات وغرف النزلاء، ولكن من المهم جدا توزيع الأعمال بحساسية عالية من حيث أماكن التعليق، الألوان، القياسات، ارتفاع التعليق، حيث إنه من الممكن أن تؤدي القرارات الخاطئة أو الارتجال إلى تهميش أعمال هامة أو حتى الإساءة إلى العمل حرفياً، أو إلى الفنان. ويعلم مقتنو الفن حساسية هذه الأمور.

محلية الفن:

 لطالما كانت الفنون المحلية بجميع أشكالها حاملًا أساسيًا للثقافة المحلية ومرآة لأصالتها، حيث تمثل العناصر الفنية رموزًا ثقافية وحضارية فريدة، تعرِّف الحضارة من خلالها نفسها للآخرين، وتحقق الدهشة للجمهور من الحضارات المختلفة.

 وفي الوقت ذاته تحمل رسائل عاطفية للجمهور المحلي، فتلك الفنون المتصلة ببيئتهم المجتمعية تعزز الانتماء إلى المكان، وتعمق الالتصاق بالقيم المجتمعية.

ورغم أن مصطلح “محلية الفن” يعطي الأولوية للفنان المحلي، إلا أنه يتوسع ليشمل المواضيع نفسها بصفتها محلية.

ومن هذا المنظور، تركز المنظمات العريقة ومشغلو الفنادق والمطورون المهتمون بمجتمعاتهم على محلية الفن، مع مراعاة الحساسية الجمالية للفراغات المعمارية والنمط المعماري وهوية العلامة التجارية.

تجارب عالمية ومحلية

هناك الكثير من التجارب العالمية في المباني العامة والفنادق في جمع واقتناء الأعمال الفنية، وأصبح من المألوف أن يتعاون فندق ما مع إحدى دور عرض الفن لعرض مجموعة أعمال مستعارة أو حتى اقتناء أعمال جديدة لعرضها في البهو أو المناطق العامة للفندق.

ومن التجارب الجديرة بالذكر في هذا المجال هو تجربة فندق لانغهام في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يمتزج الفن بالتاريخ من خلال 268 قطعة فنية أشرفت على جمعها إحدى دور العرض الهامة في هذا المجال، بالإضافة إلى 60 عملاً أُضِيفَت إلى المجموعة عام 2021 حيث جُدِّد الفندق منها أعمال يمكن وصفها بأنها متحفية، حيث يُدْعَى النزلاء للقيام بجولة ذاتية يتم خلالها التعرف على الأعمال من خلال تزويدها وسائط سمعية وبصرية و وشروحات وافية عن الأعمال والفنانين.

نذكر أيضا فندق فورسيزون واشنطن حيث يضم 1650 قطعة تتضمن مقتنيات لفنانين لهم شهرة واسعة وهناك أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا جميعا.

محلياً، ومن أكثر التجارب نجاحاً وهي تجربة أفخر شخصياً أني كنت جزءا منها وهي اختيار الأعمال الفنية لفندق ماريوت السفارات بالرياض ضمن فريق عمل شغوف بالفن، حيث تم بقرار واع من المطور -شركة طيبة للاستثمار- بجعل المجموعة الفنية للفندق مكملا وتأكيدا لرسالة وفكرة الفندق الذي كان مستوحى من الطبيعة الجغرافي لوادي حنيفة بما فيه من التشكيلات الصخرية المنحنية، وصُنِّف كأول فندق صديق للبيئة حاصلاً على الشهادة الذهبية للريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEDD) حيث تم اقتناء ما يقارب من  40 عملا أصليا ل 14 فناناً سعودياً من الصف الأول بالتعاون مع غاليري حوار، بالإضافة إلى 650 عملاً طُبِع محليا منسوخاً من أعمال يمتلك الفندق حقوق طباعتها. وهي تجربة ألقت مزيداً من الضوء على الفندق الذي أصبح إحدى الأيقونات المعمارية لمدينة الرياض .